بنما- صدفة قانونية أو لعبة سياسية أوصلت مولينو للرئاسة؟

المؤلف: عبير الفقيه10.31.2025
بنما- صدفة قانونية أو لعبة سياسية أوصلت مولينو للرئاسة؟

لطالما اشتهرت بنما عالميًا بقناتها المائية التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ، والتي تلعب دورًا حيويًا في حركة الملاحة البحرية الدولية، وكذلك بملف "وثائق بنما" سيئ السمعة، وباعتبارها ملاذًا ضريبيًا، بالإضافة إلى كونها نقطة عبور برية محورية في مسارات الهجرة غير الشرعية المتجهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، في الخامس من مايو/أيار الماضي، جذبت السياسة في بنما اهتمامًا عالميًا واسعًا، مما جعلها تتصدر نشرات الأخبار.

فقد كان فوز المرشح لمنصب نائب الرئيس، خوسيه راؤول مولينو، برئاسة البلاد حدثًا استثنائيًا يستحق المتابعة والتحليل، ويمكن تصنيفه ضمن دائرة "ألاعيب السياسة والقانون"، أو اعتباره ضربة حظ نادرة الحدوث.

الحصان الرابح

تُعتبر بنما آخر دولة في منطقة أمريكا الوسطى والجنوبية تخلصت من حقبة الدكتاتورية العسكرية في عام 1989، ومنذ ذلك التاريخ القريب، بدأت تجربتها الديمقراطية بحماس شعبي كبير.

إن الفائز في الانتخابات الأخيرة، خوسيه راؤول مولينو، كان في الواقع مرشحًا لمنصب نائب الرئيس في حكومة الرئيس السابق المحافظ ريكاردو مارتينيلي، الذي تولى زمام الأمور في بنما بين عامي 2009 و2014. ولكن في شهر مارس/آذار الماضي، رفضت المحكمة الانتخابية ترشيح الرئيس السابق ريكاردو مارتينيلي، وأبقت على ترشيح نائبه مولينو. ويعود سبب هذا الرفض إلى الأحكام القضائية الصادرة بحق مارتينيلي، والتي تقضي بسجنه لمدة عشر سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 19 مليون دولار، على خلفية اتهامات بالفساد المالي واسعة النطاق، والتي دأب على إنكارها.

وبعد أن باءت محاولات حزب مارتينيلي بالفشل في الطعن في قرار المحكمة الانتخابية، أصدرت المحكمة العليا حكمًا قبل موعد الانتخابات بيومين فقط، يقضي بإلغاء قرار المحكمة الانتخابية، ومنح خوسيه راؤول مولينو الحق في الترشح لمنصب الرئيس بمفرده، ودون نائب، بعد أن كان في الأصل مرشحًا لمنصب نائب الرئيس إلى جانب مارتينيلي.

وقد وصفت أغلب وسائل الإعلام خوسيه راؤول مولينو، الفائز في الانتخابات، بأنه "الحصان الرابح" الذي راهن عليه الرئيس السابق مارتينيلي، خاصةً أنه شغل منصب وزير الداخلية في فترة رئاسته، وكان أحد أبرز رموز حكومته. علاوة على ذلك، يعتبر مولينو سياسيًا ودبلوماسيًا مخضرمًا، حيث تولى منصب وزير الخارجية في الفترة من عام 1990 إلى عام 1994.

الأمر المثير للدهشة في انتخابات بنما الأخيرة، التي شملت الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية في نفس اليوم، هو المصير الذي آل إليه الرئيس السابق مارتينيلي بعد صدور حكم بالسجن بحقه في عام 2022، وإصراره على تقديم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024 بالرغم من ذلك.

فالرجل اليميني الذي كان حليفًا مقربًا من واشنطن خلال مسيرته السياسية، لجأ إليها طلبًا للحماية من قضاء بلاده، في محاولة لمواصلة نشاطه السياسي من هناك. إلا أن الإدارة الأمريكية رفضت السماح له ولأفراد من عائلته بدخول أراضيها، وقامت بترحيلهم من مطار نيوجيرسي إلى بنما في أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي خطوة فاجأت الأوساط السياسية، وبعد أيام قليلة من رفض دخوله الأراضي الأمريكية، وقبل ساعات من إصدار القضاء البنمي أمرًا بالقبض عليه، توجه الرئيس السابق مارتينيلي إلى مقر سفارة نيكاراغوا في العاصمة البنمية، حيث حصل على اللجوء السياسي. ثم خاطبت وزارة خارجية نيكاراغوا نظيرتها البنمية، مطالبة بمنح مارتينيلي الحق في الانتقال إلى المطار بهدف السفر إلى نيكاراغوا، ولكن الحكومة البنمية رفضت هذا الطلب.

دعم شعبي

ومنذ ذلك اليوم، يقيم الرئيس السابق مارتينيلي في مقر السفارة في ظروف تبدو جيدة، ويتواصل افتراضيًا مع أنصاره ومتابعيه، ويتابع عن كثب مستجدات الانتخابات. وقد أعلن عن دعمه الكامل والمطلق لنائبه السابق مولينو، الذي زاره بدوره في مقر السفارة في يوم التصويت.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا اختار الرئيس اليميني مارتينيلي التوجه إلى مقر سفارة دولة يسارية مثل نيكاراغوا، والتي تواجه حكومتها انتقادات واسعة، حتى من جانب الحكومات اليسارية في المنطقة، مثل تشيلي والبرازيل وكولومبيا؟ إلا أن الإجابة على هذا السؤال تكاد تنحصر في إطار البراغماتية المحضة، لأن حلفاء مارتينيلي أنفسهم لم يقدموا حججًا مقنعة.

أما السؤال الآخر، فيتعلق بالأسباب الكامنة وراء الدعم الشعبي الذي يحظى به الرئيس السابق مارتينيلي، في الوقت الذي يتهمه فيه القضاء البنمي بالفساد المالي، وتخلّت الإدارة الأمريكية عن دعمه. والإجابة عن ذلك تكمن في أن الرئيس السابق مارتينيلي هو رجل أعمال شهير قبل أن يكون سياسيًا، وأنصاره لا يصدقون بشكل كبير تورطه في قضية الفساد التي اتهمه فيها القضاء البنمي هو وخلفه خوان كارلوس فاريلا بتلقي رشى تعود إلى صفقات أبرمتها حكومتيهما مع شركة "أوديبرشت" البرازيلية لمشاريع البنية التحتية.

ويأتي هذا التصالح الشعبي مع مارتينيلي لاعتبارات عديدة، من بينها أن كشف تورط حكومات في أكثر من 20 دولة في قضايا رشاوى هذه الشركة العملاقة، يعود إلى جهود أمريكية نجحت في تصفية أسماء كبيرة في المشهد السياسي اللاتيني على وجه الخصوص. إضافة إلى ذلك، يرى أنصار مارتينيلي أن البلاد في فترة رئاسته شهدت إحياء مشاريع ساهمت في تقليص معدلات البطالة، وعلى رأسها مشاريع البنية التحتية التي أنشأتها الشركة البرازيلية. ويبدو أن أغلبية البنميين كانوا راضين عن إدارته للبلاد، ولهذا صوتوا لحليفه مولينو، الذي حصل على 35% من الأصوات، وهي أعلى نسبة بين ثمانية مرشحين، وبفارق يقارب 10 نقاط عن المركز الثاني.

كابوس أميركا اللاتينيّة

وعلى الرغم من مسيرة الانسجام والتعاون التي جمعت بين الرئيس السابق مارتينيلي والرئيس الفائز حديثًا مولينو، وتوقع الكثيرين أن يمنح الأخير "عفوًا" لرئيسه السابق ورفيق دربه، ليغلق بذلك باب الملاحقات القضائية والتهديدات بالسجن، فإن آخرين لا يستبعدون انقلاب موازين العلاقة، وإقدام الرئيس الفائز على طي صفحة الرئيس السابق مارتينيلي، من خلال ترحيله إلى نيكاراغوا، والتفرغ لبناء اسمه كزعيم مستقل في سجل رؤساء بنما.

وهذا السيناريو يمثل في الحقيقة كابوسًا يقض مضجع السياسيين في أمريكا اللاتينية، على غرار ما حدث مؤخرًا في الإكوادور بين الرئيس السابق رافاييل كوريا ونائبه لينين مورينو، وفي بوليفيا بين الرئيس الحالي لويس آرسي و"معلمه" بالأمس الرئيس السابق إيفو موراليس، الذي أصبح ألد خصومه وأشد منافسيه في الانتخابات القادمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة